المادة    
هذا من جهة علاقة هذا العمل القلبي بغيره من أعمال القلب، وأما عن أهميته وضرورته للمؤمن، فلا شك أن من تأمل كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، علم علم اليقين أن الإخلاص لا بد منه، وذلك أول ما يشترط في أمر العقيدة والإيمان، ثم إنه لا بد أن يدخل في كل عمل من الأعمال التي يعملها الإنسان يريد بها وجه الله، ويريد بها الثواب والأجر من عند الله. حتى لو أنك عملت عملاً من المباحات المجردة وليس من الطاعات المفروضة المشروعة وجوباً أو استحباباً، أو أي عمل من الأعمال التي يفعلها الناس بطبيعتهم كالأكل أو الشرب أو إتيان المرء أهله أو ما أشبه ذلك، كل من فعل ذلك ويريد الأجر من الله، ويريد أن يحتسبه عند الله، فلا بد أن يحقق فيه الإخلاص لله تبارك وتعالى؛ لأن شرطي قبول أي عمل من الأعمال هما المتابعة والإخلاص.
  1. الشرط الأول: المتابعة

    أولاً: الشرط الأول: المتابعة والموافقة لما شرع الله تبارك وتعالى، فالبدع مردودة على أهلها، فمهما اجتهدوا وتعبدوا وأخلصوا في نظرهم، فالبدع مردودة، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كل بدعة ضلالة} وقال: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}، وقال: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} أي: مردود لا يقبل.
    وإن ظن أنه فعله لوجه الله تبارك وتعالى، كما فعل الثلاثة النفر الذين عزموا على أنفسهم، فقال الأول: أقوم الليل ولا أنام، وقال الثاني: لا أتزوج النساء، وقال الثالث: لا آكل اللحم، وما أشبه ذلك، فكل عملٍ يعمله العبد ويظن أنه مخلص ويتعبد به، لن يكون فيه أكثر عبادةً من الخوارج، ولن يكون أكثر عبادةً من رهبان اليهود والنصارى والهندوس ممن تَرَهَب منهم.
    ولذلك فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن ذكر الخوارج وعبادتهم قال: {تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وعبادتكم إلى عبادتهم -ثم قال:- يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية} والرمية: هي ما يرمى من الصيد كظبيٍ أو نحوه، فيدخل السهم فيخترقه ويخرج، فلا يكاد يرى راميه فيه شيئاً من أثر، ومعنى ذلك أنهم يأتون الدين، ويخرجون منه بلا شيء، أو بما لا يكاد يُرى.
    ليس لأنهم لم يتوفر لديهم شرط الإخلاص؛ ولكن لأنه لم يتوفر لديهم شرط الموافقة والمتابعة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا الذي ذكر الله تبارك وتعالى في قوله: ((فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)) [الكهف:110]، فالعمل الصالح هو الموافق لما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
  2. الشرط الثاني: الإخلاص

    ثانياً: ((وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً))[الكهف:110] أي: فليجعله خالصاً لوجه الله الكريم، وهذا هو شرط الإخلاص، ولهذا قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قول الله تبارك وتعالى: ((لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)) [هود:7]، قال: ''أصوبه وأخلصه'' والصواب هو الموافقة، والإخلاص: هو الشرط الثاني كما تقدم.
    فإذا كان الإخلاص بهذه المثابة فإن أهميته لا تخفى، ولا سيما في أصل الدين، فهو أعظم اشتراطاً منه في الفروع؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول -كما في الحديث القدسي-: {من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري فهو للذي أشرك}، وفي روايةٍ: { تركته وشركه } ومعنى ذلك: أن الله تبارك وتعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، وأما غير ذلك فهو غنيٌ عنه تبارك وتعالى.
    فإذا لم يقبل الله تعالى من العبد طاعةً من الطاعات إلا أن لديه أصل التوحيد والدين، فإنه يخسر تلك الطاعة ويظل معه الإيمان والتوحيد، أما إذا كان الإخلاص مفقوداً وكان الشرك في أصل الإيمان والدين، فهذا قد خسر الدنيا والآخرة.
    ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: ((إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) [الزمر:2-3]، هذا الذي يقبله الله تبارك وتعالى من عباده، ولا يقبل منهم غير ذلك.